Sunday, October 30, 2005

الأديان والأديان الأخرى

منذ وعيت على مفهوم الأديان لم أكن أعرف سوى ديانات ثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام. ومن خلال الأفلام التلفزيونية عرفت عن الوثنية ، وفي فترة الجامعة سمعت عن عبدة الشيطان (لما كانوا بيقبضوا عليهم في الوقت ده). من بعيد ومن خلال قراءات مختلفة عرفت الهندوسية، والبوذية، وسمعت عن كريشنا من الأفلام الهندي بتاعة أميتاب باتشان، لما كان التلفزيون المصري يبتحفنا بها أيام الجمعة لفترة طويلة (حد يعمل فيلم اربع ساعات) ما علينا
ولكن ظلت المعرفة بعيدة، مجرد قراءة على ورق، لم أعرف أشخاص يؤمنون بشيء بخلاف الإسلام والمسيحية
أتذكر جيدًا أول مرة تعرفت فيها على شخص يدين بالبوذية، كانت انسانة أجرت منها حجرة في منزلها أثناء وجودي في إيطاليا
في اليوم الأول من وجودي في المنزل لاحظت وجود ركن للصلاة مختلف عما اعتدت رؤيته، لم اسأل (من التعب، ومن الأدب) في النهاية الموضوع لا يخصني في شيء، كنت في المرحلة التي فيها أدركت واقتنعت أن مسألة الإيمان مسألة شخصية جدًا، ولا يمكن السماح لأحد التدخل فيها، وان العلاقة مع ربنا علاقة حميمية ولا يجب أن تُفرض على أحد ولا أن يمسها أحد. علاقة أجمل ما فيها خصوصيتها وامكانية الوصول إليها بأي طريقة، ولكن المهم الوصول لتلك العلاقة في عمقها وليس فقط المسميات والقشرة الخارجية. بدأت أسمع في اليوم التالي أصوات همهمات صادرة من غرفتها، لم اتعرف على معناها، وآثرت الاحتفاظ بصمتي أيضًا في اليوم التالي. إلا إنني فوجئت بها وقد بدأت تحدثني عن نفسها، وكيف أنها تركت الكاثوليكية لتصبح بوذية لما وجدته في هذا الإيمان، وشرحت لي طريق الصلاة والهمهمات حتى أفهم ما يدور حولي في المنزل، وقالت لي إنها فضلت ذلك لأنه حقي أن أفهم ما يحدث حولي. ابتسمت، وعندما خلوت بنفسي أخذت افكر فيما قالته، ولوهلة شعرت بالاستغراب، ثم ادركت أنني في اعماقي على وشك رفض ما هي فيه من إيمان لمجرد أنه غريب عما عرفته طوال حياتي، ولكن بعد فترة من التفكير ادركت: أولاً لكل انسان حرية اختيار ما يؤمن به، والطريقة التي يتقرب فيها من (الله)، ثانيًا: ماذا أعرف أنا عن البوذية لكي أرفضها أم أقبلها (لا شيء) فأنا لم أعرف شيء عن ديانات سوى المسيحية، والاسلام واليهودية ولا أدعي المعرفة الكاملة أيضًا. وظللنا أنا وهي على علاقتنا بل وأصبحنا أصدقاء، لا يعني لأي منا طريقة صلاة الأخر، ولكن الطريقة التي يتعامل بها كل منا مع الآخر ومع الحياة.

مرت الأيام وعاد السفر لينقلني مرة أخرى إلى عوالم جديدة، ولأتعرف على أشخاص "مختلفين" مرة أخرى. في البداية أحد الأصدقاء الذي ساعدنا كثيرًا على الاستقرار والتأقلم مع الحياة الجديدة في هذا المكان. لا يؤمن بشيء سوى بالعلاقات الحسنة بين البشر، وبالنسبة له الأديان كلها مسألة تضليل للبشر ليس إلا. كان الأمر بالنسبة لي في هذه المرة عادي لم أشعر باستغراب المرة الأولى ولا الرفض الداخلي، كنت على قناعة تامة أن الله يرى قلب كل واحد منا ويستطيع هو فقط أن يحكم عليه، الأمر كما ذكرت شخصي جدًا، ولكن الجميل أنني بدأت أعرف أكثر والاختلاف أصبح ثراء لم أكن اتخيله، وعن طريق المدرسة عرفت عائلات بهائية، ولم اكن اعرف عن البهائية أيضًا أي شيء، ولكني لاحظت مثلاً أنهم يؤمنون بالديانات السماوية الثلاثة، ويمكنهم أن يقيموا اجتماعات للصلاة تجمع اناس من مختلف الديانات ليصلوا سويًا بنية شيء معين، السلام في العالم مثلاً، وأن هذا من أسس ممارستهم الدينية. وكنت اتساءل كيف يمكنهم الجمع بالإيمان بالأديان الثلاثة، فكما قال بن عبد العزيز في تحريض وفي العدالة للجميع أن مجرد الإيمان بدين يعني أنني لا أؤمن بالدين الآخر، ولكنهم بالفعل يؤمنون بالأديان ووحدتها. وأثناء عملي تعرفت على عائلة تؤمن بديانة تقدس الطبيعة وتقوم على مبدأ عدم المساس بأي مخلوق في الطبيعة ، لم أقرأ الكثير عنها ولكنني لن انسى عندما هرعت صديقتي من الدور الأول للثاني في ثوان في محاولة لانقاذ طائر من براثن نسر، مخلوق يتعرض للأذى، وعدم رفضها لوجود حشرة في منزلها، أو ابعادها فقط وليس قتلها وجميعهم لا يأكلون سوى الخضروات ولا يمسون الطبيعة.

وعرفت من ابنتي أنهم في المدرسة يدرسون الأديان المعروفة كلها واحتفالاتها سويًا ولا يفصلونهم في ذلك الوقت كل حسب دينه، بل جميعهم يستمعون معًا لما يؤمن به الآخرين، بل ويكاد لا يعرف كل منهم ما هو إيمان الأخر.

لماذا الإطالة وهي شيء لا أحبه على الإطلاق
ربما لأنني عرفت الكثير من البشر المختلفين وأريد مشاركة ذلك معكم
لأنني عرفت أن الاختلاف لا يعني استحالة الحياة بل لا يعني استحالة الصداقة والمحبة
لأنني تعلمت أن هؤلاء جميعًا (باختلافاتهم الدينية) يهمهم أن يعيش أولادهم حياة كريمة: تعليم، حقوق، كرامة، ويعرفون كيف بالرغم من كل تلك الاختلافات الدينية والجذرية في العقيدة، أن الدين لله (بالفعل) والوطن للجميع، و الحياة الكريمة للجميع وهي ما يجب الدفاع عنه بكل قوة

وبالمناسبة أعتذر للإطالة

4 comments:

ibn_abdel_aziz said...

تجربتك مشابهة لتجربتي
وهذا جزء مما غير في طريقة تفكيري كثيرا

تجرية رائعة

المفروض ان تضاف هذه المقالة لمجموعة مقالات المصالحة والمصارحة

دق علي الباب بتاع المدونة واطلب اضافتها رجاءا

جزاكم الله خيرا
:)

Amanie F. Habashi said...

أشكرك على تحريضاتك وكتاباتك "المتميزة" بجد، واضح طبعًا أنك مريت بتجارب كتير، واستفدت منها كتير كمان، ناس كتير بتطلع من التجربة زي ما دخلت

Anonymous said...

هذا هو دين الله لهذا العصر
لا يمكن التعريف بالمبادئ والتعاليم والأحكام التي أمر بها حضرة بهاء الله في العُجالة التي يفرضها الحيز المحدود لهذه الصفحات، ولكن يكفي أن يتعرّف القارئ - مؤقتاً - على بعض الدعائم الأساسية التي يقوم عليها الدين البهائي وتتناول تفصيلها تعاليمه وأحكامه، حتى يتسنّى له أن يلمس بنفسه مدى قدرتها على إبراء العالم من علله المميتة، ويرى بعينه النور الإلهي المتشعشع من ثناياها، فتتاح لمن يريد المزيد من البحث والتحرّي أن يواصل جهوده في هذا السبيل.

وأول ما يسترعي الانتباه في المبادئ التي أعلنها حضرة بهاء الله طبيعتها الروحانية البحتة، فهي تأكيد بأن الدين ليس مجرد نعمة سماوية فحسب، بل هو ضرورة لا غِنى عنها لاطمئنان المجتمع الإنساني واتحاده وهما عماد رُقيّه مادياً وروحانياً?. وفي ذلك يقول حضرة بهاء الله: "إن الدين هو النور المبين والحصن المتين لحفظ أهل العالم وراحتهم، إذ أن خشية الله تأمر الناس بالمعروف وتنهاهم عن المنكر"? كما يتفضل أيضاً في موضع آخر: "لم يزل الدين الإلهي والشريعة الربانيّة السبب الأعظم والوسيلة الكبرى لظهور نيّر الاتحاد وإشراقه?. ونموّ العالم وتربية الأمم، واطمئنان العباد وراحة من في البلاد منوط بالأصول والأحكام الإلهية"?.

ولكن القدرة والحيوية والإلهام التي يفيض بها الدين على البشر لا يدوم تأثيرها في قلوبهم إلى غير نهاية، لأن القلوب البشرية بحكم نشأتها خاضعة لناموس الطبيعة الذي لا يعرف الدوام بدون تغيير. وقد ذكر سبحانه وتعالى في مواضع عدة من القرآن الكريم قسوة قلوب العباد من بعد لينها لكلماته كما جاء في سورة الحديد مثلاً: "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُم وَكَثِيرٌ مِنْهُم فَاسِقُونَ"?.

فَبدارُ الناس إلى الاستجابة لأوامر الله محدّد بأمد معيّن، تقسوا قلوبهم من بعده وتـتحجّر فتضعف استجابتها لكلمة الله وبالتالي لإسلام الوجه إليه، فينتشر الفساد إيذاناً بحين الكَرَّةِ. فَتَعاقُبُ الأديان ليس مجرد ظاهرة مطّّردة فحسب، بل هي تجديد متكرّر للرباط المقدس بين الإنسان وبارئه، وتجديد للقوى التي عليها يتوقف تقدّمه، وتجديد للنّهج الذي يضمن بلوغه الغاية من خلقه، فهو بمثابة الربيع الذي يجدّد عوده المنتظم نضرة الكائنات،? ولذا يصدق عليه اسم البعث الذي يُطلقُ الطاقة الروحانيّة اللازمة لنماء المواهب الكامنة في الوجود الإنساني. وفي هذا المعنى يتفضل حضرة بهاء الله: "هذا دين الله من قبل ومن بعد مَن أراد فليقبل ومَن لم يرد فإن الله لغنيّ عن العالمين"?.

فتجديد الدين إذاً، سُنّة متواترة بانتظام منذ بدء النشأة الأولى، وهو تجديد لأن أصول الرسالات السماوية ثابتة وواحدة، وكذلك غاياتها ومصدرها، ولكن أحكامها هي العنصر المتغيّر وفقاً لمقتضى الحاجة في العصر الذي تظهر فيه، لأن مشاكل المجتمعات الإنسانية تتغير، ومدارك البشرية تنمو وتتبدل، ولا بد من أن يواجه الدين هذا التغيير والتبديل فيحل مشاكل المجتمع ويخاطب البشر بحسب نمو مداركهم، وإلاّ قَصَّرَ عن تحقيق مهامه. ?فما جاء به الأنبياء والرسل كان بالضّرورة على قدر طاقة الناس في زمانهم وفي حدود قدرة استيعابهم، وإلاّ لما صلح كأداة لتنظيم معيشتهم، والنهوض بمداركهم في التقدم المتواصل نحو ما قَدَّرهُ الله لهم.

والمتأمل في دراسة الأديان المتتابعة بدون تعصّب يرى في تعاليمها السامية خطة إلهية تتضح معالمها على وجه التدريج، غايتها توحيد البشر. فالواضح في تعاليم الأديان المختلفة سعيها المتواصل لتقارب البشر وتوحيد صفوفهم على مراحل متدرجة وفقاً للإمكانيات المتوفرة في عصورهم. ولهذا فإن المحور الذي تدور حوله جميع تعاليم الدين البهائي هو وحدة الجنس البشري قاطبة؛ اتحاد لا يفصمه تعصّب جنسي أو تعصّب ديني أو تعصّب طائفي أو تعصّب طبقي أو تعصّب قومي، وهذا في نظر التعاليم البهائية أسمى تعبير للحب الإلهي، وهو في الواقع أكثر ما يحتاجه العالم في الوقت الحاضر?.

ولكن لا يمكن تحقيق هذا الركن الركين لسلام البشرية ورخائها وهنائها إلاّ بقوة ملكوتية، ومَدَدٍ من الملأ الأعلى مُؤيَّدٍ بشديد القوى، لأنه هدف يخالف المصالح المادية التي يهواها الإنسان ويسعى إليها بحكم طبيعته، وكلّها مصالح متباينة ومتضاربة ومؤدّية إلى الاختلاف والانقسام. وقد نبّه حضرة عبد البهاء إلى التزام البهائيين بهذا المبدأ بقوله: "إن البهائي لا ينكر أي دين، وإنما يؤمن بالحقيقة الكامنة فيها جميعاً، ويفدي نفسه للتمسك بها، والبهائي يحب الناس جميعاً كأخوته مهما كانت طبقتهم أو جنسهم أو تبعيّـتهم، ومهما كانت عقائدهم وألوانهم سواء أكانوا فقراء أم أغنياء، صالحين أم طالحين".?

ولو أعدنا قراءة التاريخ وتفسير أحداثه بمعايير روحانية لتَحَقَّقَ لنا أن هذا الهدف لم يهمله الرسل السابقون، وإنما اقتضت ظروف أزمنتهم تحقيق أهداف كانت حاجة البشرية لها أكبر في عصورهم، والاكتفاء بالتمهيد للوحدة الإنسانية انتظاراً لحين توفر الوسائل المادية والمعنوية لتحقيقها. وقد وَحّدت تعاليم السيد المسيح بين المصريين والأشوريين وبين الرومان والإغريق بعد طول انقسام وعديد من الحروب المهلكة. كما وَحّدت تعاليم الإسلام بين قبائل اتخذت من القتال وسيلة للكسب، وجمعت أقواماً متباينة مآربها، مختلفة حضاراتها، متنوعة ثقافاتها، متعددة أجناسها؛ من عرب وفرس وقبط وبربر وأشوريين وسريان وترك وأكراد وهنود وغيرها من الأجناس والأقوام?.

وهكذا تهيأت بالتدريج الوسائل والظروف لكي تُشيِّدَ التعاليم البهائية الاتّحاد الكامل الشامل للجنس البشريّ بأسره في هذا العصر الذي يستعصي فيه التوفيق بين ثقافات وحضارات الشرق والغرب، ويقدم توحيدهما تحدّياً أعظم من التحديات التي اعترضت سبيل توحيد الأمم في العصور السالفة?.

ألا يذكرنا التوافق بين ظهور رسالة حضرة بهاء الله والتغيير الذي شمل أوضاع العالم بالتغييرات الجَذرِيَةِ التي حقّقتها الرسالات الإلهية السابقة في حياة البشر؟ ألا يدعونا هذا التوافق إلى التفكير في الرباط الوثيق بين الآفاق الجديدة التي جاءت في رسالة حضرة بهاء الله وبين التفتّح الفكري والتقدم العلمي والتغيير السياسي والاجتماعي الذي جدّ على العالم منذ إعلان دعوته؟

ومهما بدت شدة العقبات وكثرتها فقد حان يوم الجمع بعد أن أعلن حضرة بهاء الله: "إن ربّكم الرحمن يحبّ أن يرى مَن في الأكوان كنفس واحدة"?، ويتميز المجتمع البهائي العالمي اليوم بالوحدة التي تشهد لهذا الأمر والتي جمعت نماذج من كافة الأجناس والألوان والعقائد والأديان والقوميات والثقافات وأخرجت منها خلقاً جديداً، إيذاناً بقرب اتحاد البشرية وحلول السلام والصلح الأعظم، إنها المحبة الإلهية التي تجمع شتات البشر فينظر كل منهم إلى باقي أفرادها على أنهم عباد لإله واحد وهم له مسلمون. إنّ فطرة الإنسان التي فطره الله عليها هي المحبة والوداد، والأخوة الإنسانية منبعثة من الخصائص المشتركة بين أفراد البشر، فالإنسانية بأسرها خلق إرادة واحدة، وقد خرجت من أصل واحد، وتسير إلى مآل واحد، ولا وجود لأشرار بطبيعتهم أو عصاة بطبعهم، ولكن هناك جهلة ينبغي تعليمهم، وأشقياء يلزم تهذيبهم، ومرضى يجب علاجهم. حينئذ تنتشر في الأرض أنوار الملكوت، ويملأها العدل الإلهيّ الموعود?.

كان الاتحاد دائماً هدفاً نبيلاً في حدّ ذاته، ولكنه أضحى اليوم ضرورة تستلزمها المصالح الحيويّة للإنسان?. فالمشاكل التي تهدّد مستقبل البشريّة مثل: حماية البيئة من التلوث المتزايد، واستغلال الموارد الطبيعيّة في العالم على نحو عادل، والحاجة الماسة إلى مشروعات التنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة في الدول المتخلّفة، وإبعاد شبح الحرب النوويّة عن الأجيال القادمة، ومواجهة العنف والتطرف اللذين يهددان بالقضاء على الحريّات والحياة الآمنة، وعديد من المشاكل الأخرى، يتعذّر علاجها على نحو فعّال إلاّ من خلال تعاون وثيق مخلص يقوم على أسس من الوفاق والاتحاد على الصعيد العالمي، وهذا ما أوجبه حضرة بهاء الله: "يجب على أهل الصفاء والوفاء أن يعاشروا جميع أهل العالم بالرَّوح والرّيحان لأن المعاشرة لم تزل ولا تزال سبب الاتحاد والاتفاق وهما سببا نظام العالم وحياة الأمم?. طوبى للذين تمسّكوا بحبل الشفقة والرأفة وخلت نفوسهم وتحرّرت من الضغينة والبغضاء"?.

علّمنا التاريخ،? وما زالت تعلّمنا أحداث الحاضر المريرة، أنّه لا سبيل لنزع زؤان الخصومة والضغينة والبغضاء وبذر بذور الوئام بين الأنام، ولا سبيل لمنع القتال ونزع السلاح ونشر لواء الصلح والصلاح، ولا سبيل للحدّ من الأطماع والسيطرة والاستغلال، إلا بالاعتصام بتعاليم إلهية وتشريع سماوي تهدف أحكامه إلى تحقيق هذه الغايات، و?من خلال نظام عالمي بديع يرتكز على إرساء قواعد الوحدة الشاملة لبني الإنسان وتوجيه جهوده إلى المنافع التي تخدم المصالح الكلية للإنسانية?.

وفي الحقيقة والواقع أَنَّ حسنَ التفكيرِ والتدبيرِ مساهمان وشريكان للهداية التي يكتسبها الإنسان من الدين في تحقيق مصالح المجتمع وضمان تقدّمه. فإلى جانب التسليم بأن الإلهام والفيض الإلهي مصدر وأساس للمعارف والتحضّر، لا يجوز أن نُغفِل دور عقل الإنسان أو نُبخّس حقّه في الكشف عن أسرار الطبيعة وتسخيرها لتحسين أوجه الحياة على سطح الأرض، فهو من هذا المنظور المصدر الثاني للمعارف اللازمة لمسيرة البشرية على نهج التمدّن، والتعمّق في فهم حقائق العالم المشهود?.

وقد تعاون العلم والدين في خلق الحضارات وحلّ مشاكل ومعضلات الحياة?، وبهما معاً تجتمع للإنسان وسائل الراحة والرخاء والرقي ماديّاً وروحانيّاً?. فهما للإنسان بمثابة جناحي الطير، على تعادلهما يتوقّف عروجه إلى العُلى، وعلى توازنهما يقوم اطّراد فلاحه. أما إذا مال الإنسان إلى الدين وأهمل العلم ينتهي أمره إلى الأوهام وتسيطر على فكره الخرافات، وعلى العكس إذا نحا نحو العلم وابتعد عن الدين، تسيطر على عقله وتفكيره ماديّة مفرطة، ويضعف وجدانه?، مع ما يجرّه الحالان على الإنسانية من إسفاف وإهمال للقيم الحقيقية للحياة. ولعلّ البينونة التي ضاربت أطنابها بين الفكر الديني والتفكير العلمي هي المسؤول الرئيس عن عجز كليهما عن حسن تدبير شؤون المجتمع في الوقت الحاضر.

لقد وهب الله العقل للإنسان لكي يحكم به على ما يصادفه في الحياة فهو ميزان للحكم على الواقع، وواجب الإنسان أن يوقن بصدق ما يقبله عقله فقط، ويعتبر ما يرفضه عقله وهماً كالسراب يحسبه الناظر ماء ولكن لا نصيب له من الحقيقة. أما إذا دام الإصرار على تصديق ما يمجّه العقل فما عساها تكون فائدة هذه المنحة العظمى التي منّ الله بها على الإنسان وميّزه بها عن الحيوان. فكما أن الإنسان لا يكذّب ما يراه بعينيه أو ما يسمعه بأذنيه فكذلك لا يسعه إلاّ أن يصدّق بما يعيه ويقبله عقله. والحقّ أن العقل يفوق ما عداه من وسائل الإدراك فكل الحواس محدودة في قدراتها بالنسبة للعقل الذي لا تكاد تحدّ قدراته حدود، فهو يدرك ما لا يقع تحت الحواس ويرى ما لا تراه العين وينصت لما لا تصله إلى سمعه الآذان، ويخرق حدود الزمان والمكان فيصل إلى اكتشاف ما وقع في غابر الأزمان ويبلغ إلى حقائق الكون ونشأته والناموس الذي يحكم حركته. ومن الحق أن كل ما عرفه الإنسان من علوم وفنون واكتشافات وآداب هي من بدع هذا العقل ونتاجه. أفلا يكفي عذراً إذن لمن ينكرون الدين في هذه الأيام أن كثيراً من الآراء الدينية التي قال بها المفسرون القدماء مرفوضة عقلاً، ومناقضة للقوانين العلمية والقواعد المنطقية التي توصل إليها العقل؟

والمبدأ المرادف للمبدأ السابق هو مسئولية الإنسان في البحث عن الحقيقة مستقلاً عن آراء وقناعات غيره، وبغض النظر عن التقاليد الموروثة والآراء المتوارثة عن السلف والقدماء مهما بلغ تقديره لمنزلتهم ومهما كانت مشاعره بالنسبة لآرائهم. وبعبارة أخرى يسعى لأن تكون أحكامه على الأفكار والأحداث صادرة عن نظر موضوعي نتيجة لتقديره ورأيه تبعاً لما يراه فيها من حقائق. إن الاعتماد على أحكام وآراء الغير تَسبّبَ في الإضرار بالفكر الديني والتفكير العلمي وملكة الإبداع في كثير من الأمم، فإحباط روح البحث والتجديد التي نعاني منها اليوم كانت نتيجة التقليد الأعمى واتباع ما قاله السلف والتمسك بالموروث بدون تدقيق في مدى صحته أو نصيبه من الحقيقة أو اختبار أوجه نفعه?.

فواجبنا اليوم أن نتحرّى الحقيقة ونترك الخرافات والأوهام التي تشوب كثيراً من تصورات ومفاهيم وتفاسير السلف في مختلف الميادين وعلى الأخص فيما يتعلق بالمعتقدات والتفاسير الدينيّة. لقد خلق الله العقل في الإنسان لكي يطلع على حقائق الأشياء لا ليقلد آباءه وأجداده تقليداً أعمى. وكما أن كل من أُوتِيَ البصر يعتمد عليه في تبيّن الأشياء، وأن كل من أُوتِيَ السمع يعتمد عليه في التمييز بين الأصوات، فكذلك واجب كل من أُوتِيَ عقلاً أن يعتمد عليه في تقديره للأمور ومساعيه لتحري الحقيقة واتباعها. وذلك هو النصح والتوجيه الإلهي حيث قال تعالى: "وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمَعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهِ مَسْئُولاً"??.

وإهمال المرء الاستقلال في بحثه وأحكامه يورث الندامة. فقد رفض اليهود كلاّ من رسالة المسيح ورسالة محمد نتيجة لإحجامهم عن البحث المستقلّ عن الحقيقة واتباع التقاليد والأفكار الموروثة، من ذلك نبوءات مجيء المسيح - التي وِفقاً للتفاسير الحرفية التي قال بها السلف - أنه سيأتي مَلَكاً ومن مكان غير معلوم بينما بُعث المسيح فقيراً وجاءهم من بلدة الناصرة، وبذلك أضلّتهم أوهام السلف عن رؤية الحقيقة الماثلة أمام أنظارهم ومنعتهم عن إدراك المعاني الروحانية المرموز إليها في تلك النبوءات. ثم أدّى التشبث بمفاهيم السلف إلى بث الكراهية والعداوة بينهم وبين أمم أخرى دامت إلى يومنا هذا. وما ذلك إلاّ بسبب الانصراف عن إعمال العقل والاستقلال في التعرف على الحقيقة?.

ومن مبادئ الدين البهائي التحرّر من جميع ألوان التعصب?. فالتعصبات أحكام ومعتقدات نسلّم بصحتها بدون مزيد بحث أو تحرٍّ لحقيقتها، ونتخذها أساساً لتحديد مواقفنا، وعلى هذا تكون التعصبات جهالة من مخلّفات التفكير القبليّ، وأكثر ما يعتمد عليه التعصب هو التمسك بالمألوف وتجنب الجديد، لمجرد أن قبوله يتطلّب تعديلا في القيم والمعايير التي نبني عليها أحكامنا?. فالتعصب نوع من الهروب، ورفض لمواجهة الواقع.

بهذا المعنى، التعصب أيّاً كان، جنسياً أو عنصرياً أو سياسياً أو عرقياً أو مذهبياً، هو شر يقوّض أركان الحقّ ويفسد المعرفة، بقدر ما يدعم قوى الظلم ويزيد سيطرة الجهل. وبقدر ما للمرء من تعصّب يضيق نطاق تفكيره وتنعدم حريّـته في الحكم الصحيح?. ولولا هذه التعصبات لتجنّب الناس في الماضي كثيراً من الحروب والاضطهادات والمظالم والانقسامات?. ولا زال هذا الداء ينخر في هيكل المجتمع الإنساني، ويسبّب الحزازات والأحقاد التي تفصم عُرَى المحبّة والوداد?. إنّ الرسالة البهائيّة بإصرارها على ضرورة القضاء على التعصب، إنمّا تحرّر الإنسان من نقيصة مستحكمة، وتبرز دوره في إحقاق الحقّ وأهميّة التمسك بخصال العدل والنزاهة والإنصاف في كل الأمور?.

ومن مبادئ الدين البهائي مبدأ التضامن والتآزر بين أفراد المجتمع الإنساني بُغيَةَ القضاء على الفقر المدقع?. فالعَوَز قد كان وما زال داءٌ يهدّد السّعادة البشريّة ويحرم الفقراء من الضروريات ويسلبهم الحياة الكريمة، كما يزعزع الفقر أركان الاستقرار والأمن في المجتمع. وقد اقتصرت محاولات الماضي في معظم الأحيان على الصّدقات الخيرية فردية أكانت أم جماعية، ولم يصل العزم على القضاء على الفقر في أي وقت سابق إلى درجة الوجوب والإلزام على المجتمع. ولذا طال أمد الفقر واستشرى خطره في وقتنا الحاضر، وأصبح أقوى عامل يعوّق جهود الإصلاح والتنمية في أكثر المجتمعات?، وامتدّت شروره إلى العلاقات بين الدّول والجماعات لتجعل منه سبباً لأزمات حادّة وأخطار عظيمة.

ولا يعني ذلك أن المساواة المطلقة بين الناس في النواحي المادية للحياة ممكنة أو أن من ورائها جدوى ما دامت كفاءات البشر غير متساوية. إلاّ أن من المؤكّد أيضاً أنّ لتكديس الثروات في أيدي الأغنياء مخاطر ونكسات لا يُستهان بهما?. ففي تفشّي الفقر المدقع إلى جوار الغنى الفاحش مضار محقّقة تهدّد السكينة التي ينشدها الجميع، وإجحاف يتنافى مع العدل ومع مشاعر الأخوّة التي يجب أن تسود بين الناس، ولذلك ينبغي إعادة تنظيم وتنسيق النظريات الاقتصادية على أسس روحانية حتى يحصل كل فرد على نصيب من ضرورات الحياة الكريمة كحقّ لا صَدَقَةً. فإن كان تفاوت الثروات أمراً لا مفرّ منه، فإنّ في الاعتدال والتوازن ما يحقّق كثيراً من القيم والمنافع، ويتيح لكل فرد حظّاً من نعم الحياة?. لقد أرسى حضرة بهاء الله هذا المبدأ على أساس ديني ووجداني، كما أوصى بوضع تشريع يكفل المواساة والمؤازرة بين بني الإنسان، كحقّ للفقراء. وأوصى حضرته بالفقراء في مواضع كثيرة من وصاياه: "لا تحرموا الفقراء عمّا أتاكم الله من فضله وإنه يجزي المنفقين ضعف ما أنفقوا إنه ما من إله إلاّ هو له الخلق والأمر يعطي من يشاء ويمنع عمّن يشاء وإنه لهو المعطي الباذل العزيز الكريم"?.

ومن واجبات البهائي السعي إلى اكتساب الصفات الملكوتية والتخلّق بالفضائل الأمر الذي أكد عليه حضرة بهاء الله: "الخُلُق إنه أحسن طراز للخَلْق من لدى الحقّ، زيّن الله به هياكل أوليائه، لعمري نوره يفوق نور الشمس وإشراقها?. مَن فاز به فهو من صفوة الخَلْق، وعزّة العالم ورفعته منوطة به"?، فمن بين الغايات الرئيسة للدين تعليم الإنسان وتهذيبه?. وما من رسول إلا وأكّد على هذا الهدف الجليل الذي ينشد تطوير الإنسان من كائن يريد الحياة لذاتها، إلى مخلوق يريد الحياة لما هو أسمى منها، ويسعى فيها لما هو أعزّ من متاعها وأبقى، ألا وهو اكتساب الفضائل الإنسانيّة والتخلّق بالصفات الإلهيّة تقرّباً إلى الله "إن أوامره هي الحصن الأعظم لحفظ العالم وصيانة الأمم?. نوراً لمن أقرّ واعترف وناراً لمن أدبر وأنكر"??.

أمر حضرة بهاء الله في الكتاب الأقدس: "زيّنوا رؤوسكم بإكليل الأمانة والوفاء، وقلوبكم برداء التقوى، وألسنكم بالصدق الخالص، وهياكلكم بطراز الآداب، كل ذلك من سجيّة الإنسان لو أنتم من المتبصّرين?. يا أهل البهاء تمسّكوا بحبل العبودية لله الحقّ بها تظهر مقاماتكم وتثبت أسماؤكم وترتفع مراتبكم وأذكاركم في لوح حفيظ"??. فالقرب إليه تعالى ليس قرباً ماديّاً، ولكن قرب مشابهة وتَحَلّ بصفاته بقدر كفاءة الإنسان?. وهذا يفرض على البهائي أولاً: السّعي للتعرّف على التعاليم والأحكام الجليلة التي أظهرها مشرق وحيه ومطلع إلهامه?، وثانياً: اتّباعها في حركته وسكونه، وفي ظاهره وباطنه: "إنّ الجنود المنصورة في هذا الظهور هي الأعمال والأخلاق المرضية، وإنّ قائد هذه الجنود تقوى الله"??. فالعمل بما أنزل الله هو فرع من عرفانه، وليس المقصود بعرفان الصفات الإلهية التصوّر الذهني لمعانيها، وإنّما الاقتداء بها في القول والعمل وفي ذلك تتمثّل العبوديّة الحقّة لله، تـنزّه تعالى عن كل وصف وشبه ومثال?. وقد أوجز حضرة بهاء الله هذه الحقيقة في قوله: "قل إن الإنسان يرتفع بأمانته وعفّته وعقله وأخلاقه، ويهبط بخيانته وكذبه وجهله ونفاقه?. لعمري لا يسمو الإنسان بالزينة والثروة بل بالآداب والمعرفة"??.

و?ينهي الدين البهائي عن ارتكاب الفواحش وما لا يليق بمرتبة الإنسان من القتل والضرب والشجاج، والسرقة والخيانة، والغش والخداع، والسلب والنهب وحرق البيوت، ويحرّم الزّنا واللواط والخمر والمخدرات، والقمار والميسر، ويحذر من الكذب والنفاق والغيبة والنميمة والجدال والنزاع. كما تنفرد تعاليم الدين البهائي بتحريم الرقّ والتسوّل وتعذيب الحيوان وتقبيل الأيدي والرياضات الشاقة، فضلاً عن رفع أحكام الرّهبنة والكهنوت والاعتراف بالخطايا طلباً للغفران?. وتأمر بالصوم والصلاة، وتلاوة الآيات في كل صباح ومساء، والتأمل في معاني الكلمات الإلهية، وتقوى الله، وإسلام الوجه إليه في كل الأمور، والعفّة والطهارة، والعدل والإنصاف، والعفو والتسامح والصبر وسعة الصدر، وتحصيل العلوم والفنون النافعة. وتوصي بإكرام الوالدين ورعاية حقهما، وبتربية الأولاد وتعليمهم بنيناً وبناتاً، وبالتزام المجتمع بتعليم الأولاد عند عدم مقدرة الأبوين?.?

ومن مبادئ الدين البهائي المساواة في الحقوق والواجبات بين الرجال والنساء?. لأن ملكات المرأة الروحانيّة وكفاءتها لعبودية ساحة الأحدية فضلاً على قواها العقليّة لا تفترق عمّا أوتي الرجل منها، وهذه هي جوهر الإنسان وحقيقته، فالمرأة والرجل متساويان في الصفات الإنسانيّة، وقد أكّد سبحانه وتعالى مراراً أَنَّ خَلْقَ الإنسان جاء على صورة ومثال الخالق، لا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى?. وليس التماثل الكامل بين الجنسين في وظائفهما العضويّة شرطاً لتكافئهما طالما أن علّة المساواة هي اشتراكهما في الخصائص الجوهريّة، لا الصفات العرضيّة?. إنّ تقديم الرجل على المرأة في السابق كان لأسباب اجتماعيّة وظروف بيئيّة لم يعد لهما وجود في الحياة الحاضرة?. ولا دليل على أن الله يفرّق بين الرجل والمرأة من حيث الإخلاص في عبوديّـته والامتثال لأوامره والتحلّي بالأخلاق المثالية؛ فإذا كانا متساويين في ثواب وعقاب الآخرة، فلِمَ لا يتساويان في الحقوق والواجبات إزاء أمور الحياة الدنيا؟

عدم اشتراك المرأة في الحياة العامة في الماضي اشتراكاً متكافئاً مع الرجل، لم يكن أمراً أملته طبيعتها بقدر ما برّره نقص تعليمها وقلّة مرانها، وثقل أعباء عائلتها، وعزوفها عن النزال والقتال?. أمّا وقد فُتحت اليوم أبواب التعليم أمام المرأة، وأتيح لها مجال الخبرة بمساواة مع الرجل، وتهيّأت الوسائل لإعانتها في رعاية أسرتها، وأضحى السلام بين الدول والشعوب ضرورة تقتضيها المحافظة على المصالح الحيويّة للجنس البشري، لم يعد هناك لزوم للحيلولة بينها وبين المساواة. إنّ تحقيق المساواة بين عضوي المجتمع البشري يتيح الاستفادة التامة من خصائصهما المتكاملة، ويسرع بالتقدم الاجتماعي والاقتصادي والعلمي والسياسي، ويضاعف فرص الجنس البشري لبلوغ السعادة والرفاهية والاستقرار.

ومن مبادئ الدين البهائي إيجاد نظام تتحقّق فيه الشروط الضروريّة لاتحاد البشر وضمان دوامه?. وبناء هذا الاتحاد يقتضي دعامة سندها العدل لا القوّة، وتقوم على التعاون لا التنافس، وغايتها تحقيق المصالح الجوهريّة لعموم البشر، حتى تحظى البشرية بعصر يجمع بين الرخاء والنبوغ على نحو لم يسبق له مثيل?. وقد فصّل حضرة بهاء الله أسس هذا النظام البديع في رسائله إلى ملوك ورؤساء دول العالم في إبّان وجوده في سجن عكّا، وكان من بينهم نا?ليون الثالث، والملكة ?كتوريا، وناصر الدين شاه، ونيقولا الأول، وبسمارك، وقداسة البابا بيوس التاسع، والسلطان عبد العزيز، ودعاهم للعمل متعاضدين على تخليص البشريّة من لعنة الحروب وتجنيبها نكبات المنازعات العقيمة.

?ولكن قوبل نداؤه هذا آنذاك بالاستنكار والرفض لمخالفته لكل ما كان متعارفاً عليه في العلاقات بين الدول?. لكن وجدت هذه التعاليم طريقها إلى تفكير المسئولين عن تدبير شئون البشريّة، وفرضت نفسها على مجريات الأحداث الدوليّة، ووجد جزء منها طريقه للتطبيق بالتدريج حتي أضحت اليوم مبادئ هذا النظام الدولي - في نظر أهل الخبرة والتدبير - الحلّ الأمثل للمشاكل العالمية، ويراها المفكّرون في زماننا من مسلّمات أي نظام عالمي جاد في إعادة تنظيم العلاقات بين المجموعات البشريّة على نمط يحقّق الأمن والرفاهية والعدل في العالم. ومن أركان هذا النظم الذي أعلنه حضرة بهاء الله حوالي سنة ????م :

? نبذ الحروب كوسيلة لحلّ المشاكل والمنازعات بين الأمم، بما يستلزمه ذلك من تكوين محكمة دوليّة للنظر فيما يطرأ من منازعات، وإعانة أطرافها للتوصّل إلى حلول سلميّة عادلة.



? تأسيس مجلس تشريعي على النطاق الدولي لحماية المصالح الحيويّة للبشر وسنّ القوانين اللازمة لصون السلام في العالم.



? تنظيم إشراف دولي يمنع تكديس السلاح على نحو يزيد عن حاجة الدولة لحفظ الأمن والنظام داخل حدودها.



? إنشاء قوّة دوليّة دائمة لفرض احترام القانون وردع أي أمّة عن استعمال القوّة المسلحة لتنفيذ مآربها.



? إيجاد أو اختيار لغة عالميّة ثانويّة تأخذ مكانها إلى جانب اللغات القوميّة تسهيلا لتبادل الآراء، ونشرا للثقافة والمعرفة، وزيادة للتفاهم والتقارب بين الشعوب.

وخير ما تُختم به هذه المقتطفات من المبادئ والتعاليم البهائية نُصْح حضرة بهاء الله لأوليائه المخلصين:?

"إنّا ننصح العباد في هذه الأيام التي فيها تغبّر وجه العدل وأنارت وجنة الجهل وهُتك ستر العقل، وغاضت الراحة والوفاء وفاضت المحنة والبلاء، وفيها نُقضت العهود ونُكثت العقود، لا يدري نفس ما يبصره ويعميه وما يضلّه ويهديه?.

قل: يا قوم دعوا الرذائل وخذوا الفضائل، كونوا قدوة حسنة بين الناس وصحيفة يتذكّر بها الأناس، من قام لخدمة الأمر له أن يصدع بالحكمة ويسعى في إزالة الجهل عن بين البريّة، قل أن اتحدوا في كلمتكم واتفقوا في رأيكم واجعلوا إشراقكم أفضل من عشيّكم، وغدكم أحسن من أمسكم?. فضل الإنسان في الخدمة والكمال لا في الزينة والثروة والمال، اجعلوا أقوالكم مقدّسة عن الزّيغ والهوى وأعمالكم منزّهة عن الريب والرياء?. قل لا تصرفوا نقود أعماركم النفيسة في المشتهيات النفسيّة ولا تقتصروا الأمور على منافعكم الشخصيّة?، أنفقوا إذا وجدتم واصبروا إذا فقدتم إنّ بعد كل شدّة رخاء ومع كل كدر صفاء، اجتنبوا التكاهل والتكاسل وتمسّكوا بما ينتفع به العالم من الصغير والكبير والشيوخ والأرامل، قل إيّاكم أن تزرعوا زؤان الخصومة بين البريّة وشوك الشكوك في القلوب الصافية المنيرة?.

قل: يا أحبّاء الله لا تعملوا ما يتكدّر به صافي سلسبيل المحبّة وينقطع به عرف المودّة، لعمري قد خلقتم للوداد لا للضغينة والعناد، ليس الفخر لحبّكم أنفسكم بل لحبّ أبناء جنسكم، وليس الفضل لمن يحبّ الوطن بل لمن يحبّ العالم?. كونوا في الطّّرف عفيفاً، وفي اليد أميناً، وفي اللسان صادقاً، وفي القلب متذكّراً، لا تسقطوا منزلة العلماء في البهاء ولا تصغّروا قدر من يعدل بينكم من الأمراء، اجعلوا جندكم العدل وسلاحكم العقل وشيمكم العفو والفضل وما تفرح به أفئدة المقرّبين"??.?





--------------------------------------------------------------------------------

?. بهاء الله، الإشراق الأول، ألواح حضرة بهاء الله (بروكسل، دار النشر البهائية في بلجيكا، ????) ص ??
?. بهاء الله، الإشراق التاسع، المرجع السابق ص ??
?. سورة الحديد، آية ??
?. بهاء الله، منتخباتي من آثار حضرة بهاء الله (آنكنهاين، لجنة نشر الآثار الأمرية، الطبعة الأولى) فقرة ??
?. بهاء الله، منتخباتي من آثار حضرة بهاء الله، فقرة ???
?. بهاء الله، مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله، ص ??
?. سورة الإسراء، آية ??
?. بهاء الله، منتخباتي من آثار حضرة بهاء الله، فقرة ???
?. بهاء الله، مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله، ص ??
??. بهاء الله، مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله، ص ??
??. الكتاب الأقدس، فقرة ???
??. بهاء الله، مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله، ص ??
??. بهاء الله، مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله (بروكسل، دار النشر البهائية في بلجيكا، ????) ص ??
??. بهاء الله، مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله، ص ???-???

Anonymous said...

البها ئيه دين
لا? ?خلاف? ?أن? ?غاية? ?الدين? ?هي? ?الوفاق? ?والوداد? ?بين? ?البشر?,?ومع? ?ذلك? ?جعله? ?الناس? ?منذ? ?بداية? ?الخليقة? ?مصدرا? ?للشقاق? ?والجدال? ?والقتال?,?علي? ?الرغم? ?من? ?تناقض? ?ذلك? ?مع? ?الطبيعة? ?الروحانية? ?لجميع? ?الأديان? ?التي? ?يركز? ?جوهرها? ?علي? ?التراحم? ?والبر? ?والإحسان?,?فالدين? ?يفرض? ?حسن? ?معاملة? ?الغير?.?وقد? ?يكون? ?السبب? ?وراء? ?التحيز? ?والتعصب? ?ما? ?تلقيه? ?قداسة? ?الدين? ?في? ?روع? ?أتباعه? ?من? ?امتناع? ?البحث? ?الحر? ?في? ?معتقداته?,?إلي? ?جانب? ?ما? ?يفرضه? ?التقليد? ?المتوارث? ?من? ?أخذ? ?تعاليم? ?الدين? ?عن? ?رجال? ?متخصصين? ?دون? ?تحليل? ?أو? ?تمحيص?,?وكلا? ?الأمرين? ?معدوم? ?الأساس?,?ومؤداهما? ?ضعف? ?نفوذ? ?الدين? ?ذاته?,?وتسلط? ?التعصب? ?علي? ?أفكار? ?الناس?.?ولو? ?واجه? ?كل? ?فرد? ?نفسه? ?اليوم? ?باحثا? ?عما? ?حمله? ?علي? ?اعتناق? ?دين? ?دون? ?غيره?,?وعما? ?يثبت? ?صدق? ?الدين? ?الذي? ?اعتنقه? ?لأدهشه? ?الجواب?.?وقبل? ?أن? دين?يفيق? ?من? ?دهشته? ?يأتيه? ?سؤال? ?آخر? ?وهو?:?إن? ?كان? ?هذا? ?الدين? ?الذي? ?اعتنقه? ?حقا? ?فلماذا? ?لم? ?يؤمن? ?به? ?الآخرون؟? ?ولماذا? ?يعترض? ?عليه? ?أصحاب? ?الديانات? ?الأخري؟?.?
إن? ?الناظر? ?في? ?تاريخ? ?الأديان?,?والمدقق? ?في? ?تسلسلها? ?يري? ?أن? ?التاريخ? ئيه دين ?يعيد? ?نفسه?,?وأن? ?الاعتراض? ?علي? ?الأديان? ?يسير? ?علي? ?نفس? ?المنوال? ?والنسق?,?ويدرك? ?أن? ?رؤساء? ?الدين? ?السابق? ?في? ?كل? ?زمان? ?هم? ?أول? ?من? ?يقومون? ?بالاعتراض?,?ولا? ?يسعهم? ?إلا? ?تكفير? ?كل? ?من? ?يؤمن? ?بهذا? ?الدين?,?فهم? ?يؤمنون? ?فقط? ?بما? ?سبقهم? ?من? ?رسالات?,?لأنها? ?جاءت? ?صريحة? ?في? ?كتابهم?,?أما? ?ما? ?يأتي? ?من? ?بعدها? ?فيعتبرونه? ?ضلالا? ?وافتراء?,?هذا? ?علي? ?الرغم? ?مما? ?في? ?كتبهم? ?المقدسة? ?من? ?تحذير? ?بأن? ?لا? ?يسلكوا? ?مسالك? ?التكذيب? ?والعصيان?,?وأن? ?لا? ?يكونوا? ?حائلا? ?بين? ?الله? ?وعباده?,?كما? ?امتلأت? ?الكتب? ?السماوية? ?بقصص? ?الأقوام? ?الغابرة?,?وكيف? ?كانت? ?عاقبة? ?تكذيبهم? ?لرسلهم? ?واعتراضهم? ?عليهم?,?مع? ?التلميح? ?إلي? ?الكوارث? ?التي? ?حاقت? ?بهم? ?لرفضهم? ?الدين? ?الجديد? ?من? ?دون? ?بينة? ?ولا? ?كتاب? ?منير?.?ولكن? ?مازالت? ?المأساة? ?تتكرر? ?في? ?كل? ?ظهور? ?فيقيسون? ?الرسالة? ?التالية? ?بما? ?تهوي? ?أنفسهم? ?ويسعون? ?للقضاء? ?عليها?.?
وهكذا? ?نري? ?أن? ?ما? ?دأبت? ?عليه? ?الأوساط? ?الدينية? ?هو? ?نبذ? ?معتقدات? ?الغير? ?دون? ?ترو? ?في? ?بحثها?,?وذلك? ?نتيجة? ?لعدم? ?تطبيق? ?معايير? ?موضوعية? ?لتعريف? ?الدين? ?علي? ?نحو? ?علمي?,?ولتمييزه? ?عن? ?غيره? ?من? ?الحركات? ?الفكرية?,?والمذاهب? ?الفلسفية?.?فغياب? ?المقاييس? ?العقلية? ?المجردة? ?يسهل? ?سيطرة? ?العواطف? ?والميول? ?الشخصية? ?في? ?الحكم? ?علي? ?ما? ?يدور? ?في? ?وجدان? ?الآخرين?.?ومن? ?هذه? ?الأحكام? ?ما? ?خرجت? ?به? ?بعض? ?الصحف? ?مؤخرا? ?عن? ?البهائية?,?وعلاقتها? ?بالأديان? ?الأخري? ?في? ?أعقاب? ?حكم? ?القضاء? ?الإداري? ?باستلزام? ?القانون? ?إثبات? ?الدين? ?البهائي? ?كغيره? ?من? ?الأديان? ?في? ?شهادات? ?الميلاد? ?والبطاقات? ?الشخصية? ?للتعرف? ?علي? ?حقيقة? ?الانتماء? ?الديني? ?لصاحب? ?البطاقة?.?فأثار? ?هذا? ?الرأي? ?القانوني? ?التساؤل? ?عما? ?إذا? ?كانت? ?البهائية? ?دينا?,?أم? ?مذهبا?,?أم? ?حركة? ?فكرية؟? ?ولذلك? ?نبادر? ?بعرض? ?بعض? ?المعايير? ?التي? ?يمكن? ?الاعتماد? ?عليها? ?في? ?التعرف? ?علي? ?الطبيعة? ?الروحانية? ?لهذا? ?الدين?,?مع? ?الإقرار? ?سلفا? ?بصعوبة? ?الاعتماد? ?علي? ?الأدلة? ?العقلية? ?وحدها? ?في? ?مجال? ?يختص? ?به? ?الفؤاد?,?ويحكم? ?عليه? ?الضمير?,?وتطوف? ?حوله? ?مشاعر? ?الحب? ?والولاء?:?
?1- ?أهم? ?ما? ?يميز? ?الدين? -?أي? ?دين?- ?هو? ?الإيمان? ?بوجود? ?خالق? ?مدبر? ?للكون? ?فوق? ?عالم? ?الطبيعة?,?مسيطر? ?علي? ?العالم? ?المشهود?,?إله? ?لا? ?شريك? ?له? ?ولا? ?نظير?,?وجوده? ?المهيمن? ?عزيز? ?علي? ?الوصف?,?ومستعص? ?علي? ?الإدراك?,?وجود? ?فريد? ?ممتنع? ?علي? ?العقل? ?البشري? ?المحدود?,?لأن? ?البون? ?الفاصل? ?بين? ?علو? ?الواجد? ?ودنو? ?الموجود? ?مانع? ?للإدراك?,?وهذا? ?في? ?صلب? ?ما? ?يعتقده? ?البهائيون?,?وقد? ?أوجزه? ?عبد? ?البهاء? -?المبين? ?لرسالة? ?بهاء? ?الله?- ?بشكل? ?مبسط? ?في? ?مقتطف? ?نشرته? ?مجلة? ?وادي? ?النيل? ?في? ?الثاني? ?من? ?محرم? ?سنة? 1330:?
فإذا? ?كانت? ?حقيقة? ?الجماد? ?والنبات? ?والحيوان? ?والإنسان? ?حال? ?كونها? ?كلها? ?من? ?حيز? ?الإمكان?,?ولكن? ?تفاوت? ?المراتب? ?مانع? ?أن? ?يدرك? ?الجماد? ?كمال? ?النبات?,?والنبات? ?قوي? ?الحيوان?,?والحيوان? ?فضائل? ?الإنسان?,?فهل? ?من? ?الممكن? ?أن? ?يدرك? ?الحادث? ?حقيقة? ?القديم? ?ويعرف? ?الصنع? ?هوية? ?الصانع? ?العظيم؟
?2- ?ومع? ?ذلك? ?التفاوت? ?بين? ?الغيب? ?والشهود? ?يركز? ?الدين? ?علي? ?دوام? ?الرابطة? ?الوثيقة? ?بين? ?الله? ?والخلق?,?فمنه? ?تستمد? ?الكائنات? ?نشوءها? ?وبقاءها? ?ومنتهاها? ?بتبعية? ?لا? ?تعرف? ?الاستقلال?,?ومن? ?عليائه? ?يتنزل? ?الهدي? ?للإنسان?,?وعليه? ?اعتماده?,?وبه? ?رجاؤه?,?وله? ?مآله?,?ولكن? ?التلقي? ?المباشر? ?ممتنع?,?والواسطة? ?بينهما? ?رسل? ?مرسلة? ?تحكي? ?عن? ?الحقيقة? ?الخافية?,?وتظهر? ?مشيئتها? ?وتفرض? ?عبادتها?,?وتحذر? ?من? ?عاقبة? ?العصيان? ?في? ?الآخرة? ?والأولي?.?فهل? ?يوجد? ?في? ?البهائية? ?خلاف? ?هذا؟? ?يقول? ?بهاء? ?الله?:?
إن? ?جميع? ?الأنبياء? ?هم? ?هياكل? ?أمر? ?الله? ?الذين? ?ظهروا? ?في? ?أقمصة? ?مختلفة?,?وإذا? ?ما? ?نظرت? ?إليهم? ?بنظر? ?لطيف? ?لتراهم? ?جميعا? ?ساكنين? ?في? ?رضوان? ?واحد?,?وطائرين? ?في? ?هواء? ?واحد?,?وجالسين? ?علي? ?بساط? ?واحد?,?وناطقين? ?بكلام? ?واحد?,?وآمرين? ?بأمر? ?واحد?.?وهذا? ?هو? ?اتحاد? ?جواهر? ?الوجود? ?والشموس? ?غير? ?المحدودة? ?والمعدودة?.?
?3- ?وعبودية? ?الإنسان? ?لخالقه? ?واعتماده? ?عليه? ?تستلزم? ?ذكره? ?وعبادته? ?وتقواه? ?فيجعل? ?الدين? ?مواقيت? ?لها? ?وشروطا?,?ومناسك? ?لأدائها?,?فهي? ?جوهر? ?علاقة? ?العبد? ?بربه?,?لذا? ?نجد? ?للعبادات? ?في? ?كل? ?دين? ?أركانا? ?أساسية? ?يقوم? ?عليها?,?مثل? ?الصلاة? ?ولكنها? ?تختلف? ?من? ?دين? ?إلي? ?دين?,?والصوم? ?أيضا? ?يختلف? ?في? ?كل? ?دين? ?عن? ?الآخر?,?وهكذا? ?في? ?الزكاة? ?والحج?,?فهذه? ?الأركان? ?مع? ?أنها? ?من? ?الثوابت?,?ولكن? ?طريقة? ?أدائها? ?تختلف? ?من? ?دين? ?إلي? ?آخر? ?وتغيير? ?أسلوبها? ?من? ?دين? ?إلي? ?دين? ?رغم? ?ثبوتها? ?هو? ?تأكيد? ?لاستقلاله?,?حيث? ?إن? ?لكل? ?دين? ?أماكنه? ?المقدسة?,?ومناسباته? ?الخاصة? ?به?.?
لقد? ?جاء? ?في? ?الكتاب? ?الأقدس?:?قد? ?فرض? ?عليكم? ?الصلاة? ?والصوم? ?من? ?أول? ?البلوغ? ?أمرا? ?من? ?لدي? ?الله? ?ربكم? ?ورب? ?آبائكم? ?الأولين?.?
?4- ?ويشرع? ?الدين? -?فضلا? ?عن? ?العبادات? ?والأوامر? ?والنواهي?- ?أحكاما? ?للأحوال? ?الشخصية? ?وما? ?يتبعها? ?من? ?روابط? ?ضرورية? ?لبناء? ?الأسرة?,?التي? ?هي? ?الوحدة? ?الأساسية? ?في? ?كل? ?المجتمعات?,?وعلي? ?قدر? ?قوة? ?بنائها? ?وتماسكها? ?يتوقف? ?البناء? ?الاجتماعي? ?للأمة? ?بأسرها?.?والمطلع? ?علي? ?الأحكام? ?التي? ?جاء? ?بها? ?الدين? ?البهائي? ?بخصوص? ?الزواج? ?والأسرة? ?يجد? ?أنها? ?لا? ?تختلف? ?كثيرا? ?عن? ?المعمول? ?به? ?في? ?معظم? ?الشرائع?,?فهي? ?تشترط? ?رضاء? ?الطرفين?,?ووالديهما?,?ولكن? ?تفرض? ?الاكتفاء? ?بزوجة? ?واحدة?,?وإبعاد? ?احتمالات? ?الطلاق? ?وإتاحة? ?الفرص? ?للتوفيق? ?بين? ?الزوجين? ?وذلك? ?بإرجاء? ?الطلاق? ?لمدة? ?سنة? ?كاملة?.?
?5- ?ويشترط? ?الدين? ?أن? ?يكون? ?الانتماء? ?إليه? ?عن? ?رضا? ?حر? ?دون? ?إكراه? ?أو? ?إغراء? ?أو? ?تأثير?,?بعد? ?البحث? ?والاستقصاء? ?بالقدر? ?الذي? ?يجلب? ?الاطمئنان? ?لقلب? ?كل? ?فرد?.?ولو? ?أن? ?حقيقة? ?الدين? ?لا? ?تقاس? ?بتعداد? ?أتباعه?,?إلا? ?أن? ?انتشار? ?الدين? ?البهائي? ?خلال? ?قرن? ?ونصف? ?القرن? ?في? ?أقصر? ?بقاع? ?الأرض?,?وتأثير? ?كلمته? ?الخلاقة? ?وقدرتها? ?علي? ?اقتلاع? ?جذور? ?الشحناء? ?والبغضاء? ?من? ?بين? ?الذين? ?آمنوا? ?به?,?وبعثهم? ?في? ?خلق? ?جديد? ?تسوده? ?إخوة? ?صادقة?,?هو? ?خير? ?شاهد? ?علي? ?تأثير? ?الكلمة? ?الإلهية? ?الموحدة?,?وعلي? ?نفوذ? ?القدرة? ?الكامنة? ?في? ?تعاليم? ?هذا? ?الدين?,?وهو? ?خير? ?مذكر? ?لحاجة? ?عالم? ?يئن? ?من? ?تفتت? ?وحدته? ?وتشتت? ?أفكاره? ?إلي? ?الهداية? ?التي? ?جاء? ?بها? ?هذا? ?الدين?,?والتي? ?هي? ?في? ?حقيقتها? ?الدرياق? ?الشافي? ?لما? ?يعتريه? ?من? ?أمراض?.?
?6- ?ومن? ?أسس? ?الدين? ?أن? ?الإنسان? ?مسئول? ?عن? ?أعماله? ?خيرا? ?كانت? ?أم? ?شرا?,?ولو? ?أنه? ?قد? ?يلقي? ?بعض? ?الثواب? ?أو? ?العقاب? ?في? ?الحياة? ?الدنيا?,?ولكن? ?حسابه? ?الكامل? ?يكون? ?بعد? ?الموت?.?فلنتأمل? ?ما? ?تفضل? ?به? ?حضرة? ?بهاء? ?الله? ?في? ?الكلمات? ?المكنونة?:?حاسب? ?نفسك? ?في? ?كل? ?يوم? ?من? ?قبل? ?أن? ?تحاسب? ?لأن? ?الموت? ?يأتيك? ?بغتة? ?وتقوم? ?علي? ?الحساب? ?في? ?نفسك?.?
?7- ?ومن? ?خصائص? ?الدين? ?أيضا? ?إخباره? ?عن? ?أحداث? ?الماضي? ?والإفصاح? ?عن? ?رؤاه? ?للمستقبل? ?مخبرا? ?بيقين? ?راسخ? ?عن? ?نبوءات? ?تزداد? ?بتحقيقها? ?قلوب? ?المؤمنين? ?اطمئنانا?,?ويري? ?فيها? ?المتشككون? ?بينة? ?قاطعة?.?وقد? ?أنبأ? ?بهاء? ?الله? ?في? ?ألواحه? ?المرسلة? ?إلي? ?ملوك? ?الأرض? ?ورؤسائها? ?في? ?عام? 1868 ?وهو? ?في? ?سجن? ?عكا? ?بما? ?ستؤول? ?إليه? ?أحوالهم? ?والانقلابات? ?التي? ?ستقع? ?في? ?العالم? ?سواء? ?بضياع? ?الملك? ?من? ?أيدي? ?أولئك? ?الملوك? ?الذين? ?لم? ?يستجيبوا? ?للنداء? ?الإلهي?,?أو? ?بانقضاء? ?عهد? ?الكهنوت? ?الذي? ?حال? ?بين? ?الناس? ?وبين? ?التوجه? ?إلي? ?الله?.?ولنأخذ? ?علي? ?سبيل? ?المثال? ?إنذاره? ?لنابليون? ?الثالث? ?بأن? ?عزه? ?زائل? ?وأن? ?الذلة? ?تسعي? ?عن? ?ورائه?,?إلا? ?أن? ?يتمسك? ?بحبل? ?الله? ?المتين?,?وقد? ?تحقق? ?هذا? ?قبل? ?مضي? ?عامين? ?علي? ?هذا? ?التحذير?,?حيث? ?خسر? ?نابليون? ?الحرب? ?البروسية? ?واستسلم? ?لبسمارك? ?في? ?أوائل? ?سبتمبر? 1870 ?وثارت? ?باريس? ?عليه? ?بعد? ?ذلك? ?بيومين? ?وخلعته?,?وبقي? ?سجينا? ?حتي? ?عام? 1871 ?ثم? ?قضي? ?نحبه? ?في? ?منفاه?,?ومن? ?بعده? ?فقد? ?بيوس? ?التاسع? ?السلطة? ?لنفسه? ?ولخلفائه? ?وانحسر? ?سلطانه? ?في? ?مدينة? ?الفاتيكان?,?كما? ?فقد? ?السلطان? ?عبد? ?الحميد? ?الخلافة? ?والملك?,?وقتل? ?ناصر? ?الدين? ?شاه? ?علي? ?يد? ?واحد? ?من? ?أنصار? ?الأفغاني?,?وهكذا? ?هتكت? ?حرمة? ?سلاطين? ?ذلك? ?الزمان? ?واجتث? ?ملكهم? ?وزال? ?إلي? ?غير? ?رجعة?.?
خلاصة? ?القول? ?إن? ?أحداث? ?العالم? ?وأحواله? ?سارت? ?في? ?الوجهة? ?التي? ?عينها? ?بهاء? ?الله? ?فتحررت? ?الشعوب? ?واستقلت?,?وفقدت? ?أوربا? ?منزلتها? ?القديمة?,?وتشكلت? ?المنظمات? ?الدولية?,?وتأسست? ?محاكم? ?لحل? ?المنازعات? ?بين? ?الدول? ?بالطرق? ?السلمية?,?والتزمت? ?الحكومات? ?دوليا? ?باحترام? ?حقوق? ?الأفراد? ?الموجودين? ?علي? ?أراضيها?,?وانقضي? ?عهد? ?الرق? ?ونظام? ?الإقطاع? ?والسخرة? ?والاستعمار?,?وبدت? ?في? ?الآفاق? ?نواة? ?لنظام? ?عالمي? ?علي? ?النحو? ?الذي? ?رسمته? ?رؤية? ?حضرة? ?بهاء? ?الله?.?ومازالت? ?أمور? ?العالم? ?توالي? ?هذه? ?المسيرة? ?بخطي? ?حثيثة? ?حتي? ?تستكمل? ?الشوط? ?وتؤول? ?إلي? ?ما? ?أنبأ? ?به?.?ولكن? ?حذار? ?من? ?أن? ?يظن? ?الناس? ?أن? ?هذا? ?البناء? ?المادي? ?مهما? ?بلغ? ?من? ?الدقة? ?والإتقان? ?أنه? ?ما? ?جاء? ?الدين? ?البهائي? ?لتحقيقه? ?فقط?,?وإنما? ?هو? ?هيكله? ?الخارجي? ?وأداته? ?المادية?,?أما? ?جوهره? ?الذي? ?أسماه? ?بهاء? ?الله? ?الصلح? ?الأعظم? ?فلا? ?يتحقق? ?إلا? ?بإقبال? ?أهل? ?العالم? ?طواعية? ?إلي? ?إسلام? ?الوجه? ?لله? ?والاستجابة? ?إلي? ?ندائه? ?والسلوك? ?في? ?سبيله? ?علي? ?النحو? ?الذي? ?أنزله? ?علي? ?لسان? ?مبعوثه? ?إلي? ?العالم? ?في? ?هذا? ?العصر?.?
هذه? ?أساسيات? ?أية? ?رسالة? ?سماوية?,?ولكن? ?لا? ?يعني? ?ذلك? ?تسليم? ?السلطات? ?بحقيقتها? ?في? ?وقت? ?ظهورها?,?سواء? ?أكانت? ?تلك? ?السلطة? ?دينية? ?أم? ?سياسية?,?فقد? ?رفض? ?فرعون? ?رسالة? ?موسي? ?محذرا? ?قومه? ?بأن? ?موسي? ?جاء? ?ليبدل? ?دينهم?,?وحرض? ?علي? ?قتله? ?مدعيا? ?أن? ?يوسف? ?عليه? ?السلام? ?هو? ?خاتم? ?المرسلين?,?فهل? ?أوقف? ?اعتراض? ?فرعون? ?وحكمائه? ?انتشار? ?الشريعة? ?الموسوية? ?وشيوعها؟? ?ولكن? ?ما? ?لبث? ?قوم? ?موسي? ?أن? ?كرروا? ?الخطأ? ?نفسه? ?عند? ?ظهور? ?المسيح? ?فهاج? ?علماؤهم? ?وماجوا?,?ورفضوا? ?قبوله? ?وحكموا? ?عليه? ?بالكفر?,?وعلي? ?رسالته? ?بالبطلان?.?وبالنظر? ?إلي? ?الرسالة? ?المحمدية?,?من? ?الذي? ?رفضها? ?ولايزال? ?يحكم? ?بعدم? ?سماويتها? ?حتي? ?الآن؟?.?ونخرج? ?من? ?ذلك? ?بأن? ?الديانة? ?اليهودية? ?تأسست? ?بناء? ?علي? ?قول? ?موسي? ?وحده? ?إلي? ?أن? ?شهد? ?لها? ?المسيح?,?كما? ?تأسست? ?المسيحية? ?بقول? ?المسيح? ?وحده? ?إلي? ?إن? ?شهد? ?الإسلام? ?بصدقها? ?كديانة? ?سماوية?,?لذا? ?فإن? ?الديانة? ?البهائية? ?لا? ?تتوقع? ?أن? ?يشهد? ?لها? ?الرؤساء? ?ورجال? ?الدين?,?لأنهم? ?يعترفون? ?بما? ?سبق? ?دينهم? ?من? ?أديان?,?ويرفضون? ?كل? ?ما? ?يأتي? ?من? ?بعد?,?وهذه? ?سنة? ?الله? ?ولن? ?تجد? ?لسنة? ?الله? ?تبديلا?.?
هذه? ?هي? ?جملة? ?العناصر? ?التي? ?توفرت? ?في? ?الأديان? ?السماوية? ?السابقة? ?علي? ?نحو? ?منتظم? ?وبها? ?تميزت? ?الأديان? ?عن? ?غيرها? ?من? ?الحركات? ?والمذاهب? ?الفكرية?,?ومن? ?ثم? ?يمكن? ?اتخاذها? ?قسطاسا? ?للحكم? ?وتمييزا? ?للدين? ?عن? ?غيره? ?بطريقة? ?موضوعية? ?لا? ?مكان? ?فيها? ?للميول? ?الشخصية?,?وقد? ?أوردنا? ?ما? ?يؤيد? ?وجود? ?كل? ?عنصر? ?من? ?هذه? ?العناصر? ?في? ?الديانة? ?البهائية? ?مما? ?يحسم? ?الخلاف? ?حول? ?طبيعتها? ?ويؤيد? ?أنها? ?شاملة? ?لكل? ?العناصر? ?التي? ?احتوت? ?عليها? ?الأديان? ?السماوية? ?الأخري?.?وهذا? ?ما? ?دفع? ?أكثر? ?من? ?مائة? ?وستين? ?دولة? ?إلي? ?الاعتراف? ?بالدين? ?البهائي?,?وقبول? ?هيئاته? ?الإدارية? ?علي? ?أنها? ?هيئات? ?دينية? ?كما? ?اعترف? ?العديد? ?من? ?المنظمات? ?الدولية? ?ومنظمات? ?المجتمع? ?المدني? ?في? ?أطراف? ?المعمورة? ?بأن? ?الدين? ?البهائي? ?دين? ?مستقل? ?عن? ?غيره? ?من? ?الأديان?.?
فإذا? ?استبعدنا? ?الفتاوي? ?التي? ?تستند? ?إلي? ?الميول? ?الشخصية? ?واعتمدنا? ?في? ?أحكامنا? ?علي? ?المقاييس? ?الموضوعية? ?انتهينا? ?إلي? ?أن? ?البهائية? ?تشترك? ?مع? ?غيرها? ?من? ?الأديان? ?فيما? ?حوته? ?من? ?عبادات? ?ومعتقدات? ?وحدود? ?وأحكام?,?ويتحتم? ?بناء? ?علي? ?ذلك? ?الإقرار? ?بأنها? ?ديانة? ?قائمة? ?علي? ?ما? ?تقوم? ?عليه? ?الأديان? ?من? ?أركان? .?
ولا? ?يجرمنكم? ?شنآن? ?قوم? ?علي? ?ألا? ?تعدلوا?,?اعدلوا? ?هو? ?أقرب? ?للتقوي?.?
?


لمزيد من المعلومات]
http://www.bahai.com/arabic/