Thursday, November 17, 2011

شجاعة طائر الحناء

لم أكن اتخيل أنه في الوقت الذي انتظر ان تبدأ التغطية الاعلامية لترجمة بندول فوكو، والذي خرج أخيرًا للنور بعد ظروف واحداث كثيرة، بل والذي أشك في أن يُقدم أحد على قراءة صفحاته السبعمائة، في وقت لا يستطيع أحد أن يتوقف ليقرأ شيء آخر سوى الجرائد ومتابعة التويتر والفيسبوك ليعرف إلى أين نحن ذاهبون، اجدني أشعر بالحزن على ترجمة أخرى قمت بها منذ بضعة أعوام ونُشرت بالفعل عام 2006 ولكنها كانت كالطفل المولود في الوقت الضائع.
في الواقع لا اعرف سبب لما آلت عليه الترجمة من مصير إلا انها لم تنل حظها في الدعاية، حيث كانت فترة نشرها هي فترة التحول من المشروع القومي للترجمة إلى المركز القومي للترجمة. ونظرًا لأنه كتاب عزيز جدًا على قلبي، حيث يتحدث عن مصر وعن الايطاليين في مصر، اشعر بأنه كتاب مسكين، قاست عليه الظروف ولم يهتم به أحد، فلم يقل له أحد أنت جيد أم سيء، ولم اشعر بمتعة من اختار عملاً اعجبه جدًا ليترجمه ويشارك به الآخرين به
أتذكر أن ما اعجبني في الرواية هي رغبة البطل في البحث عن هويته، فهو مغترب ، وُلد من أبوين إيطاليين في الاسكندرية وعاش فيها حياته كلها، لم يعرف سواها، ولكن ظلت إيطاليا هي وطنه الأول وظل يحلم بأن يجد لنفسه فيها جذورًا
في اثناء محاولاته تلك، يصاب في حادث غطس، ويقيم في المستشفى ويجد نفسه يحلم بقصة، قصة مسلسلة، يحلم بجزء منها كل يوم، قصة تعوضه عن تاريخه الضائع، قصة لا يتنهي منها في أحلامه إذ يقرر أن يستيقظ، ليحاول أن يعثر لها على نهاية في واقعه
كانت تجربة هذه الترجمة مختلفة وخاصة جدًا بالنسبة لي، ربما لأنها تتعلق في أجزاء كثيرة منها بمصر، والأسكندرية، سيوة ودير أبي مقار بل وبفلسطين، واقع أنا جزء منه، مناطق عشت فيها و أخرى كانت ولازالت حتى على بعدها جزء من واقعي اليومي وهمومه، ربما لأنها تتعرض أيضًا لجزء من تاريخ الكنيسة ومفاهيم قديمة وتأويلات، وتتعرض لما يمكن للاضطهاد والتشدد الديني أن يوقعه من ظلم على البشر وخاصة البسطاء منهم.
ربما لكل هذه الاسباب اتذكر هذه الترجمة الآن واكتب هذه الكلمات

Tuesday, November 01, 2011

العمى - المرة دي علشان علاء

اتذكر أنني منذ فترة كتبت عن رواية العمى لسراماجو
رواية أثرت فيّ جدًا عندما قرأت أجزاء منها نشرتها أخبار الأدب مترجمة منذ فترة طويلة
بحثت عن الترجمة ولم أجدها ثم بعد فترة وجدت النسخة المترجمة إلى الانجليزية
اليوم وأنا اتحدث مع ابنتي عن الرواية وجدتني أفكر في العمى المعدي
ذلك العمى الذي أصاب الملايين من المصريين في الفترة الأخيرة
في الرواية، جمعت السلطات المصابين بالعمى في محاولة مستميتة لحماية الاصحاء من تلك العدوى السريعة ووضعوهم جميعًا في شيء مثل المستوطنات/المعتقلات، يلقون لهم الطعام من مسافة بعيدة خوفًا من الاقتراب منهم، والعميان يعيشون سويًا وسط فضلاتهم، وسط نفايتهم، لا يهمهم شيء سوى البقاء، الحصول على الطعام، يصارعون بعضهم لأجله، يظلمون بعضهم لأجله، ينتظرون الموت ويخافونه في الوقت نفسه، ويكرهون من لديهم القدرة على الرؤية
في احد تلك المعتقلات، ولنتمكن نحن من رؤية ما يحدث بالداخل ترك لنا المؤلف شخصية تُبصر: زوجة دكتور العيون الذ ي اصيب بالعدوى عند فحصه حالة من المصابين بهذا النوع الغريب من العمى، حوارتهم في الداخل من اعمق الاجزاء في الرواية، حوار بين من يرى ما يحدث حوله ويرغب في المساعدة، وبين من لا يرى ومُدرك تمامًا ببصيرة لا مثيل لها ما يحدث للعميان حوله
لماذا تذكرت الرواية: بالأمس وأنا أقرأ التعليقات على خبر حبس علاء ومسيرة لا للمحاكمات العسكرية لم أتوقف في لحظة عن التساؤل
- كيف يتحول الناس إلى هذا العمى بهذه الطريقة؟ لماذا لا يستطيعون رؤية ما يحدث بالفعل
- ما الذي يؤدي إلى هذا العمى، كيف يمكن للمرء أن يرى الظلم والقتل والدهس ويُصر على العكس وعلى اتهام الضحايا
- كيف يستطيع الانسان تحمل الحياة وسط كل القاذورات التي حوله ويقبل أن يعيش ربع انسانيته فقط رغبة منه في البقاء على قيد الحياة
وأي حياة تلك وأي ضمير الذي يسمح للبشر بأن يناموا في الليل وهم يعلمون أن هناك الآلاف يعانون الظلم، وملايين الاطفال يعيشون في الشوارع يتعرضون لكل انواع الجرائم، واخرين يًدهسون ويُقتلون، وهناك من ينظم كل هذا فقط لحماية من هم في السلطة، وهناك من هو على استعداد أن يلقى بهم جميعًا في معتقلات يعيشون فيها عميان، فقط لكي يعيش هو في أمان وهمي
أي حياة تلك وأي ضمير الذي يرى في قتيل مُتهم، ويرى في شخص مدهوس تحت مدرعة بلطجي ظالم ويرى في ظلم الناس وتعذيبهم أمانه ويرى في ضرب وقتل الآخر المختلف عني في عقيدتي حق واجب
إنه بالفعل العمى، خالص تحياتي لسراماجو