ياسر عبد الحافظ
يتغير كل شئ ويبقي للمصريين نفس الحزن .. نفس الوجع
بعض الكوارث لا تنتهي بالموت، هذا ما يؤكده المشهد المؤلم أمام مشرحة زينهم، أقارب ضحايا العبارة الغارقة ينتظرون هناك أمام شاشة تعرض الجثث التي تم العثور عليها، لا يمكن لأحد تخيل مشاعر الناس في هذه اللحظة، ظهور فقيدهم علي الشاشة يعني أن ترتاح عائلته، أن تصلي عليه وتدفنه لتستريح روحه ويفرغ محبيه لأحزانهم، غير أن انقضاء الوقت بدون ظهور صورته علي الشاشة يعطي من ناحية أخري أملا ولو ضعيف أنه ما زال علي قيد الحياة، أن معجزة ما حدثت، ربما انتشلته سفينة عابرة، ربما تمكن من السباحة إلي جزيرة صغيرة مجهولة......هكذا يمكنك أن تقرأ علي الوجوه هناك، لست في حاجة لأن تسأل أحدا عن شعوره، فقط ضع نفسك مكانه، يمكنك أن تلمح أيضا علي الوجوه بجانب الأمل والحزن والبكاء شعورا بالغضب تعبر عنه صيحة تقال بعدة تعبيرات لكن معناها واحد دائما: ملعون أبو الحكومة...علي اللي بتعمله فينا قبل عدة أعوام أجريت في أخبار الأدب حوارا مطولا مع الكاتب الساخر العظيم محمود السعدني شفاه الله، كل ما قاله كان ملفتا كعادته غير أن أكثر ما شد انتباهي وقتها وظل محفورا بذاكرتي رأيه في الحكومة المصرية، قال إن الحكومات في العالم كله وظيفتها الوحيدة تسهيل حياة المواطنين إلا الحكومة المصرية فهي موجودة لتعقيد حياة مواطنيها، كان يقول لي ذلك بدهشة حقيقية وبكثير من الغضب لم تنجح العبارات الساخرة في مداراته. كلما ذهبت لمصلحة حكومية لأنهي ورقة تذكرت حيرة السعدني، أتم السؤال الكبير الذي طرحه: ما الذي فعلناه لنستحق تلك الحكومات التي يتغير وجوه أفرادها ولا يتغير أبدا منهجها ورؤيتها في التعامل، وكأن هناك دستور سري يحفظه ولابد موظف أبدي مهمته الوحيدة هي الحرص علي دوام تطبيقه. ربما كان هذا آخر ما فكر فيه اؤلئك الذين ظلوا ساعات طويلة يقاومون الغرق، ينتظرون أن تأتي النجدة إليهم، وكلما مر الوقت وسقط واحد يمر أمامهم شريط طويل من التعامل المهين، الطابور الطويل أمام الشبابيك التي يقبع فيها الموظفون النائمون تكون غالبا نهايته الموت غرقا أو في حادثة علي الطريق أو في مستشفي نتيجة خطأ لطبيب نسي أساتذته في كلية الطب تعليمه كيف يغلق الجسد بعد أن يفتحه، أو كيف يوقظ مريضا بعد تخديره. كارثة غرق العبارة السلام 98 ليست الأولي ولن تكون الأخيرة في سلسلة من الحوادث التي يضيع بسببها كل يوم عشرات ومئات من المواطنين، إحدي المواطنات روت للمصري اليوم أن ابنها كان علي متن العبارة وقد ظنت أنه لقي حتفه حتي جاءها صوته من إحدي المستشفيات، السيدة ظلت للحظة الأخيرة غير مصدقة فحوادث سابقة أخذت منها زوجها وابنها الأكبر، الأول تحت عجلات قطار والثاني في حادث سيارة! كان من حقها بالفعل أن تظل خائفة فعائلتها ليست محاطة بلعنة ما لتواجه هذه الأحداث في ثلاث سنوات متتالية، إنما هي مثلنا جميعا: نخرج في الصباح وقلوبنا واجفة فالموت يترصد بالجميع ومن لم يقتله الإهمال الحكومي اليوم سينال منه غدا
.
No comments:
Post a Comment