نصل قبل ميعاد انطلاق المسيرة ببضعة دقائق، على الرصيف العديد من الهيئات المشتركة في إعداد المظاهرة، اللافتات والأعلام مُعدة ويمكن لأي شخص اختيار ما يريد ليحمله، لافتات ضد الحرب، لافتات تدعو لتحرير فلسطين، أعلام فلسطين، ولا ألمح أعلام لبنان. ابنتي تريد حمل لافتة خشبية مكتوب عليها لا للحرب على لبنان، لا للحرب على فلسطين، وتترك لي لافتتها البدائية لأحملها، وتمسك البوق الصغير وتنتهي كوفية فلسطين فوق كتفي. أنظر إلى قوات الأمن المتراصة بذعر، يبتسم زوجي ويقول إنهم هنا لحماية المتظاهرين. أتركه وأتجول مع ابنتي لأنظر إلي التيارات المختلفة، الوجود الفلسطيني يفوق أي وجود آخر، ومازالت أرى الأعلام فلسطينية فقط، ومازلت أبحث عن علم لبنان. تتصاعد أصوات مخالفة فجأة من على الرصيف المقابل، ويفاجىء المتظاهرين بوجود حشد اسرائيلي على الرصيف المقابل يحمل لافتات لم أستطع سوى أن أميز حرروا غزة، ولأول وهلة تخيلت أنهم من أسرائيلي اليسار الرافضين للحرب أيضًا، ثم قال صديقنا: كتبوا على لافتاتهم: حرروا غزة من حماس، حرروا لبنان من حزب الله (وبراءة الاطفال في عيونهم، وكأنهم أبرياء من دماء المئات)، تصاعدت الصيحات والشرطة تقف في المنتصف بين الفريقين، وتعالت الهتافات، وبدأ المنظمين بمكبرات الصوت هجومًا على البي بي سي
Shame on You BBC
ثم أخذوا يشرحون كيف أنهم يخفون الحقائق على المواطنين ولا يعرضون حقيقة ما تفعله اسرائيل بالمدنيين، وأخذوا يرفضون ويطالبون بحقوقهم في معرفة الحقيقة، ويذكرونهم أنهم يدفعون لهم سنويًا مقابل مشاهدة قنواتهم الكاذبة (وهنا لا يقصدون الضرائب، هنا يدفع المواطن بالفعل سنويًا مبلغًا حوالي مائة جنيه استرليني في مقابل مشاهدة قنوات التلفزبون العادية) يمر علينا المنظمين ويعلنون بداية المسيرة، ستسير في وسط البلد مرورًا بميدان سان بيتر لنتوقف أمام مبنى البلدية. أنظر خلفي اجد الأعداد في تزايد، تبدأ الهتافات
Free Free Palestine
Free Free Lebanon
One two three four : Occupation no more
Five six seven eight: Israel is a racist state
Down Down Israel
نهتف جميعًا بأعلى ما لدينا من صوت، وتنفخ ابنتي تارة في بوقها الصعبر، وتارة أخرى تصيح وهي ترفع لافتاتها تسير بجواري سيدة انجليزية، تبحث عن مصدر صوت البوق العالي، وعندما تجده في يدها الصغيرة تبتسم وتنظر إلى وتقول: على أنا أيضًا أن أحضر معي أحفادي في المرة القادمة، يجب أن يدركوا من الآن ما يحدث حولهم. الهتافات ما زالت تركز على فلسطين، ويحاول البعض ذكر لبنان أيضًا. ولكن الشعور بالقهر يصبح واحد والشعور بالرغبة في الصراخ ورفض العنف يوحد صرخات الجميع. يتوقف من على الرصيف لينظروا إلينا، منهم من ينظر بتعاطف ومنهم من ينظر إلينا باستنكار.
تعبت صغيرتي وكان علينا العودة إلى المنزل لنتابع مرة أخرى ما يحدث والسؤال المعتاد يصرخ بداخلي: هل هناك فائدة من كل هذا؟ هل سيغير ما نفعله من شيء؟ ولكن يبقى الشعور البسيط بأننا حاولنا، ولو محاولة بسيطة، عمل شيء ما
...
No comments:
Post a Comment