انتهى اليوم قبل أن ادرك بدايته
لم اشعر كيف تحركت الساعة من التاسعة إلي الثانية عشر... وكأن أحدهم سرق الوقت وبدده.
أقرأ وأعيد قراءة العبارة، ولا أجد لها سوى ذلك المعنى: لابد وأن أشعر بالسلام الآن: ألم يقل أحدهم إن الخلاص يتم عندما يصل الإنسان إلى المعرفة الكاملة...
أعيد القراءة: لابد: ماذا تعني الكلمة، إنها نتيجة حتمية، هذا ما يجب أن يحدث. وماذا إذ لم يحدث؟ هل هذا معناه أن من لم يحدث له هذا شخص ... ولابد!!! أضحك... طالما تسببت لي الاحكام المطلقة بنوع من القلق... من يمكنه أن يقول "لابد"... وعلى أي شيء!!! والشيء المخيف أن العبارة تزداد رعبًا... فالنتيجة التي "لابد" من الوصول إليها هي "الشعور بالسلام"، ولكن ما هو هذا الشعور بالسلام؟ وكيف يشعر المرء أنه يشعر بالسلام؟ ما هي مظاهر الشعور بالسلام التي يمكن أن تحدث لشخص يشعر بالسلام؟؟؟ أن يبتسم في نومه؟ ألا يخشى ما كان يخشاه في الماضي بعد تغلغل هذا الشعور الجديد إلى قلبه؟ وهل الشعور بالسلام ينبع من القلب أم من العقل!!! ما هو بالفعل تعريف السلام؟؟؟ الآن أفكر في تركيبات السلام: السلام العادل، السلام الشامل، السلام الكامل؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ والسلام عليكم!!!!! ويا سلام يا سلام على الشعور بالسلام.... لا فائدة... لن أنته قط من هذه العبارة....
ولكن الأدهى هو ما يلي هذا: إن الخلاص يتم.... الخلاص... أتوقف كثيرًا... أكثر من السلام... أخاف من تلك العبارات التي تبدو جميلة ورنانة ومتكررة أيضًا، ربما ينقلها البعض ويُعجب برنينها، يزين بها المؤلفين كتبهم والتي في واقع الأمر لا تمت للحياة... للحقيقة بأي صلة... إذ أنها مرتبطة "بالمعرفة الكاملة" .... وما هي إذن المعرفة الكاملة.... ! يبدو أنني توقفت أمام هذه العبارة فترة من الوقت لم أدر خلالها ما ضاع فيها... توقف كل شيء حولي إلا الزمن... المعرفة لا تؤدي إلى السلام، المعرفة تؤدي إلى مزيد من الحيرة ومزيد من الرغبة في المعرفة. المعرفة تقود للبحث عن أنواع المعارف الأخرى والتي أحيانًا تقود إلى زعزعة المعرفة الأولى، أو إلى معارف أخرى لا متناهية... هل توجد معرفة كاملة، ومن ذا الذي يملك المعرفة؟؟؟
أشعر بمرارة شديدة، هل بمثل هذه الاحكام المطلقة التي لا تمت للحقيقة بصلة تنتهي الرواية؟؟؟ ولكن لا... تنتهي بالحيرة التي لابد أن تنتهي بها، تنتهي بالحيرة التي يعيش فيها كل منا... أشعر بالألفة عندما أجد حولي من يشعر بالحيرة، وكثيرًا ما يصيبني القلق من الواثقين حولي... من يدلي بدلوه في الأشياء بثقة العالم ببواطن الأمور... انظر واتساءل كيف يا ترى يمكن للمرء أن يكون على هذه الدرجة الكبيرة من الثقة في النتائج إذا كانت المعطيات في أغلب الأوقات نسبية....
لا أرغب في الخوض أكثر في هذه الفكرة... معضلات فكرية لن تؤدي إلا لمعوقات في مسيرة الحياة اليومية السلمية!!!!!!! أتعاطف مع الراوي وأشعر بالحزن لأني أشهد لحظات انتظاره الموت بلا حيلة، وبلا أي طريقة للهروب... اتساءل إذا كان في امكان المؤلف أن يخلصه!!! ولكنني أقول لنفسي هذا أفضل الحلول وإلا كنت وجدت نفسي أمام تسعمائة صفحة بدلاً من الستمائة والثمانين.
ادرك الآن أن الراوي وصديقيه، الشخصيات الثلاثة الأساسية في الرواية، والتي عبثت مع التاريخ، كان مصيرها الموت، من يبقى على قيد الحياة هم الأشرار، ولكنهم أشرار مخدوعون، قيلت لهم حقائق مختلفة وصدقوها، لن يكفوا عن خداع أنفسهم، عن أختلاق حقائق تؤكد وجودهم، ذلك الوجود الذي سيفقد كل معنى له في وجود حقيقة...أي حقيقة مختلفة عن "الحقيقة" الخاصة بهم!!
كم من الحقائق يمكن للمرء أن يختلق ليبرر وجوده!!!!!!!! إلى أي مدى، وحتى متى يمكن للمرء أن يعيش في قصة أختلقها ليعيش بداخلها؟؟؟؟ هل سأنتهي بالفعل من هذا الكتاب؟ وهل أرغب في هذا؟؟ أم أنني استمتع بهذا العمل اللانهائي؟؟؟ في حقيقة كوني أحاول الانتهاء منه!!!!!!!