منذ وعيت على مفهوم الأديان لم أكن أعرف سوى ديانات ثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام. ومن خلال الأفلام التلفزيونية عرفت عن الوثنية ، وفي فترة الجامعة سمعت عن عبدة الشيطان (لما كانوا بيقبضوا عليهم في الوقت ده). من بعيد ومن خلال قراءات مختلفة عرفت الهندوسية، والبوذية، وسمعت عن كريشنا من الأفلام الهندي بتاعة أميتاب باتشان، لما كان التلفزيون المصري يبتحفنا بها أيام الجمعة لفترة طويلة (حد يعمل فيلم اربع ساعات) ما علينا
ولكن ظلت المعرفة بعيدة، مجرد قراءة على ورق، لم أعرف أشخاص يؤمنون بشيء بخلاف الإسلام والمسيحية
أتذكر جيدًا أول مرة تعرفت فيها على شخص يدين بالبوذية، كانت انسانة أجرت منها حجرة في منزلها أثناء وجودي في إيطاليا
في اليوم الأول من وجودي في المنزل لاحظت وجود ركن للصلاة مختلف عما اعتدت رؤيته، لم اسأل (من التعب، ومن الأدب) في النهاية الموضوع لا يخصني في شيء، كنت في المرحلة التي فيها أدركت واقتنعت أن مسألة الإيمان مسألة شخصية جدًا، ولا يمكن السماح لأحد التدخل فيها، وان العلاقة مع ربنا علاقة حميمية ولا يجب أن تُفرض على أحد ولا أن يمسها أحد. علاقة أجمل ما فيها خصوصيتها وامكانية الوصول إليها بأي طريقة، ولكن المهم الوصول لتلك العلاقة في عمقها وليس فقط المسميات والقشرة الخارجية. بدأت أسمع في اليوم التالي أصوات همهمات صادرة من غرفتها، لم اتعرف على معناها، وآثرت الاحتفاظ بصمتي أيضًا في اليوم التالي. إلا إنني فوجئت بها وقد بدأت تحدثني عن نفسها، وكيف أنها تركت الكاثوليكية لتصبح بوذية لما وجدته في هذا الإيمان، وشرحت لي طريق الصلاة والهمهمات حتى أفهم ما يدور حولي في المنزل، وقالت لي إنها فضلت ذلك لأنه حقي أن أفهم ما يحدث حولي. ابتسمت، وعندما خلوت بنفسي أخذت افكر فيما قالته، ولوهلة شعرت بالاستغراب، ثم ادركت أنني في اعماقي على وشك رفض ما هي فيه من إيمان لمجرد أنه غريب عما عرفته طوال حياتي، ولكن بعد فترة من التفكير ادركت: أولاً لكل انسان حرية اختيار ما يؤمن به، والطريقة التي يتقرب فيها من (الله)، ثانيًا: ماذا أعرف أنا عن البوذية لكي أرفضها أم أقبلها (لا شيء) فأنا لم أعرف شيء عن ديانات سوى المسيحية، والاسلام واليهودية ولا أدعي المعرفة الكاملة أيضًا. وظللنا أنا وهي على علاقتنا بل وأصبحنا أصدقاء، لا يعني لأي منا طريقة صلاة الأخر، ولكن الطريقة التي يتعامل بها كل منا مع الآخر ومع الحياة.
مرت الأيام وعاد السفر لينقلني مرة أخرى إلى عوالم جديدة، ولأتعرف على أشخاص "مختلفين" مرة أخرى. في البداية أحد الأصدقاء الذي ساعدنا كثيرًا على الاستقرار والتأقلم مع الحياة الجديدة في هذا المكان. لا يؤمن بشيء سوى بالعلاقات الحسنة بين البشر، وبالنسبة له الأديان كلها مسألة تضليل للبشر ليس إلا. كان الأمر بالنسبة لي في هذه المرة عادي لم أشعر باستغراب المرة الأولى ولا الرفض الداخلي، كنت على قناعة تامة أن الله يرى قلب كل واحد منا ويستطيع هو فقط أن يحكم عليه، الأمر كما ذكرت شخصي جدًا، ولكن الجميل أنني بدأت أعرف أكثر والاختلاف أصبح ثراء لم أكن اتخيله، وعن طريق المدرسة عرفت عائلات بهائية، ولم اكن اعرف عن البهائية أيضًا أي شيء، ولكني لاحظت مثلاً أنهم يؤمنون بالديانات السماوية الثلاثة، ويمكنهم أن يقيموا اجتماعات للصلاة تجمع اناس من مختلف الديانات ليصلوا سويًا بنية شيء معين، السلام في العالم مثلاً، وأن هذا من أسس ممارستهم الدينية. وكنت اتساءل كيف يمكنهم الجمع بالإيمان بالأديان الثلاثة، فكما قال بن عبد العزيز في تحريض وفي العدالة للجميع أن مجرد الإيمان بدين يعني أنني لا أؤمن بالدين الآخر، ولكنهم بالفعل يؤمنون بالأديان ووحدتها. وأثناء عملي تعرفت على عائلة تؤمن بديانة تقدس الطبيعة وتقوم على مبدأ عدم المساس بأي مخلوق في الطبيعة ، لم أقرأ الكثير عنها ولكنني لن انسى عندما هرعت صديقتي من الدور الأول للثاني في ثوان في محاولة لانقاذ طائر من براثن نسر، مخلوق يتعرض للأذى، وعدم رفضها لوجود حشرة في منزلها، أو ابعادها فقط وليس قتلها وجميعهم لا يأكلون سوى الخضروات ولا يمسون الطبيعة.
وعرفت من ابنتي أنهم في المدرسة يدرسون الأديان المعروفة كلها واحتفالاتها سويًا ولا يفصلونهم في ذلك الوقت كل حسب دينه، بل جميعهم يستمعون معًا لما يؤمن به الآخرين، بل ويكاد لا يعرف كل منهم ما هو إيمان الأخر.
لماذا الإطالة وهي شيء لا أحبه على الإطلاق
ربما لأنني عرفت الكثير من البشر المختلفين وأريد مشاركة ذلك معكم
لأنني عرفت أن الاختلاف لا يعني استحالة الحياة بل لا يعني استحالة الصداقة والمحبة
لأنني تعلمت أن هؤلاء جميعًا (باختلافاتهم الدينية) يهمهم أن يعيش أولادهم حياة كريمة: تعليم، حقوق، كرامة، ويعرفون كيف بالرغم من كل تلك الاختلافات الدينية والجذرية في العقيدة، أن الدين لله (بالفعل) والوطن للجميع، و الحياة الكريمة للجميع وهي ما يجب الدفاع عنه بكل قوة
وبالمناسبة أعتذر للإطالة